سورة النساء - تفسير تفسير الواحدي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (النساء)


        


{يا أيها الناس} يا أهل مكَّة {اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدة} آدم {وخلق منها زوجها} حوَّاء. خُلقت من ضلع من أضلاعه {وبث} أَيْ: فرَّق ونشر {منهما}، {واتقوا الله} أَيْ: خافوه وأطيعوه {الذي تساءلون به} أَيْ: تتساءلون فيما بينكم حوائجكم وحقوقكم به، وتقولون: أسألك بالله، وأنشدك الله، وقوله: {والأرحام} أيْ: واتَّقوا الأرحام أن تقطعوها {إنَّ الله كان عليكم رقيباً} أَيْ: حافظاً يرقب عليكم أعمالكم، فاتَّقوه فيما أمركم به ونهاكم عنه.
{وآتوا اليتامى أموالهم} الخطاب للأولياء والأوصياء، أَيْ: أعطوهم أموالهم إذا بلغوا {ولا تتبدلوا الخبيث} من أموالهم الحرام عليكم {بالطيب} الحلال من مالكم، وهو أنَّه كان وليُّ اليتيم يأخذ الجيد من ماله، ويجعل مكانه الرَّديء {ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم} لا تضيفوها في الأكل إلى أموالكم إذا احتجتم إليها {إنَّه} أَيْ: إنَّ أكل أموالهم {كان حوباً كبيراً} أيْ: إثماً كبيراً.


{وإن خفتم ألا تُقسطوا}: ألا تعدلوا {في اليتامى} أي: في نكاح اليتامى وهمَّكم ذلك {فانكحوا ما طاب} أَي: الطَّيِّب {لكم من النساء} يعني: من اللاتي تحلُّ دون المحرَّمات، والمعنى: أنَّ الله سبحانه قال لنا: فكما تخافون ألا تعدلوا بين اليتامى إذا كفلتموهم، فخافوا أيضاً ألا تعدلوا بين النِّساء إذا نكحتموهنَّ، فانكحوا من النِّساء {مثنى} أَي: اثنتين اثنتين {وثلاث} ثلاثاً ثلاثاً {ورباع} أربعاً أربعاً {فإن خفتم ألا تعدلوا} أَيْ: في الأربع {فواحدة} أَيْ: فلينكح كلُّ واحدٍ منكم واحدةً و{ذلك} أنَّ نكاح هؤلاء النِّسوة على قلَّة عددهنَّ {أدنى} أَيْ: أقربُ إلى العدل، وهو قوله: {ألا تعولوا} أَيْ: تميلوا وتجوروا.
{وآتوا النساء} أَيُّها الأزواج {صدقاتهنَّ} مهورهنَّ {نحلة} فريضةً وتديُّناً {فإنْ طبن لكم} أَيْ: إنْ طابت لكم أنفسهنَّ {عن شيء} من الصَّداق {فكلوه هنيئاً} في الدُّنيا لا يقضي به عليكم سلطانٌ {مريئاً} في الآخرة لا يؤاخذكم الله به.
{ولا تؤتوا السفهاء} أَي: النِّساء والصِّبيان {أموالكم التي جعل الله لكم قياماً} لمعايشكم وصلاح دنياكم. يقول: لا تعمدْ إلى مالك الذي خوَّلك الله، وجعله لك معيشةً فتعطيه امرأتك وبنيك، فيكونوا هم الذين يقومون عليك، ثمَّ تنظر إلى ما في أيديهم، ولكن أمسك مالك وأصلحه، وكن أنت الذي تنفق عليهم في كسوتهم ورزقهم، وهو قوله: {وارزقوهم فيها} أي: اجعلوا لهم فيها رزقاً، {واكسوهم وقولوا لهم قولاً معروفاً} أَيْ: عدةً جميلةً من البرِّ والصِّلة.
{وابتلوا اليتامى} أَيْ: اختبروهم في عقولهم وأديانهم {حتى إذا بلغوا النكاح} أَيْ: حال النِّكاح من الاحتلام {فإن آنستم} أبصرتم {منهم رشداً} صلاحاً للعقل وحفظاً للمال. {ولا تأكلوها إسرافاً وبداراً أن يكبروا} أَيْ: لا تبادروا بأكل مالهم كبرَهم ورشدهم حذر أن يبلغوا، فيلزمكم تسليم المال إليهم {ومن كان غنيّاً} من الأوصياء {فليستعفف} عن مال اليتيم ولا يأكل منه شيئاً {ومَنْ كان فقيراً فليأكل بالمعروف} يقدِّر أجرة عمله {فإذا دفعتم} أَيُّها الأولياء {إليهم} إلى اليتامى {أموالهم فأشهدوا عليهم} لكي إنْ وقع اختلافٌ أمكن الوليِّ أن يقيم البيِّنة على ردِّ المال إليه {وكفى بالله حسيباً} محاسباً ومجازياً للمحسن والمسيء.
{للرجال نصيب...} الآية. كانت العرب في الجاهليَّة لا تورث النِّساء ولا الصِّغار شيئاً، فأبطل الله ذلك، وأعلم أنَّ حقَّ الميراث على ما ذكر في هذه الآية من الفرض.
{وإذا حضر القسمة} أَيْ: قسمة المال بين الورثة {أولوا القربى} أَي: الذين يُحجبون ولا يرثون {واليتامى والمساكين فارزقوهم منه} وهذا على النَّدب والاستحباب. يستحبُّ للوارث أن يرضخ لهؤلاء إذا حضروا القسمة من الذَّهب والفضَّة، وأن يقولوا لهم قولاً معروفاً إذا كان الميراث ممَّا لا يمكن أن يرضخ منه كالأرضين والرَّقيق.


{وليخش الذين لو تركوا...} الآية. أَيْ: وليخش مَنْ كان له وُلدٌ صغارٌ، خاف عليهم من بعده الضَّيعة أن يأمر الموصي بالإِسراف فيما يعطيه اليتامى والمساكين وأقاربه الذين لا يرثون، فيكون قد أمره بما لم يكن يفعله لو كان هو الميِّت، وهذا قبل أن تكون الوصية في الثُّلث، وقوله: {ذرية ضعافاً} أَيْ: صغاراً {خافوا عليهم} أي: الفقر {فليتقوا الله} فيما يقولون لمن حضره الموت {وليقولوا قولاً سديداً} عدلاً، وهو أن يأمره أن يخلِّف ماله لولده، ويتصدَّق بما دون الثُّلث أو الثُّلث، ثمَّ ذكر الوعيد على أكل مال اليتيم ظلماً، فقال: {إنَّ الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنما يأكلون في بطونهم ناراً...} الآية. تؤول عاقبته إلى النَّار {وسيصلون سعيراً} ناراً ذات تلهُّب، أَيْ: يُقاسون حرَّها وشدَّتها.
{يوصيكم الله} أَيْ: يفرض عليكم؛ لأنَّ الوصية من الله فرضٌ {في أولادكم} الذُّكور والإِناث {للذكر مثل حظ الأنثيين فإنْ كُنَّ} أَي: الأولاد {نساءً فوق اثنتين} {فوق} ها هنا صلةٌ؛ لأنَّ الثِّنتين يرثان الثُّلثين بإجماعٍ اليوم، وهو قوله: {فلهن ثلثا ما ترك} ويجوز تسمية الاثنين بالجمع، {وإن كانت} المتروكة المُخلًّفة {واحدة فلها النصف} وتمَّ بيان ميراث الأولاد، ثمَّ قال: {ولأبويه} أَيْ: ولأبوي الميِّت {لكلِّ واحدٍ منهما السدس ممَّا ترك إن كان له ولد فإن لم يكن له ولدٌ وورثه أبواه فلأمّه الثلث فإن كان له} أَيْ: للميِّت {إخوة} يعني أخوين؛ لأنَّ الأُمَّة أجمعت أنَّ الأخوين يحجبان الأمَّ من الثُّلث إلى السُّدس، وقوله: {من بعد وصية} أَيْ: هذه الأنصباء إنما تُقسم بعد قضاء الدَّين، وإنفاذ وصية الميت {آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقربُ لكم نفعاً} في الدُّنيا فتعطونه من الميراث ما يستحقُّ، ولكنَّ الله قد فرض الفرائض على ما هو عنده حكمة، ولو وكل ذلك إليكم لم تعلموا أيُّهم أنفع لكم، فأفسدتم وضيَّعتم {إنَّ الله كان عليماً} بالأشياء قبل خلقها {حكيماً} فيما دبرَّ من الفرائض، وقوله: {وإن كان رجل يورث كلالة} الكلالة: مَنْ لا ولد له ولا والد، وكلُّ وارثٍ ليس بوالدٍ ولا ولد للميِّت فهو كلالة أيضاً، والكلالة في هذه الآية الميِّت، أَيْ: وإن مات رجلٌ ولا ولدَ له ولا والد {وله أخٌ أو أخت} يريد: من الأمِّ بإجماع من الأُمَّة {فلكلِّ واحدٍ منهما السدس} وهو فرضُ الواحد من ولد الأمِّ {فإن كانوا أكثر من} واحدٍ اشتركوا في الثُّلث. الذَّكر والأنثى فيه سواءٌ، وقوله: {غير مضارٍّ} أَيْ: مُدخلٍ الضَّرر على الورثة، وهو أَنْ يُوصي بدين ليس عليه، يريد بذلك ضرر الورثة {والله عليمٌ} فيما دبَّر من هذه الفرائض {حليمٌ} عمَّن عصاه بتأخير عقوبته.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8